الحب ليس مجرد كلمات خشبية جوفاء لا ينبثق فيها هواء ولا تشع منها معانات فالذي يقول أحب لا يحب أبدا بل لا يدرك حقيقة هذا الشوق المقدس إلا من يشعر ويحس ويتألم لفراق الحبيب ولقربه فليس الحب ابتسامات مشرقة بل إنه دمعة حامية تحرق ريحها أفاق الحياة والوجود لتعلن للكون قدرتها على التحامل والتحمل فالألم هو الحب بذاته يسمع صوته كأنين مقدس تعانيه النفس العميقة في صمت وخفاء وليست تلك كل روح بل الروح المقدسة فحسب لأنها وحدها شربت من واد الصدق والوفاء والحرية وحدها تخلصت من علائق البدن وشهواته الدنيئة لترتقي نحو عالم الحب المقدس حيث تستنير بالنور المقدس الذي يكشف لها عن الآخر الذي تتشوق إليه في دواخلها وتستحضره أمام شعورها كشخص مقدس تحب روحه دون أدنى نظرة حسية إلى جسده الدنيء ذلك هو الحب الحقيقي حيث يعبر أفاق النفس البشرية ليتوغل إلى أعماقها ويجعلها تستمتع بالألم في سبيل المعشوق وتستلذ بالألم في سبيل معانقة شخصه المعنوي المقدس في سرية الحلم والتمني أثناء جوف الليل وهذا ما يطلق عليه التفاؤل في المأساة وهو في إجماع الفلاسفة أقوى وأصدق شعور تبديه النفس ومن هذا فليست كل نفس مؤهلة لتعيش للحب بل هي حياة خاصة بالأندر بين الناس هؤلاء الذين وهبوا نفسهم للألم والمعاناة العميقة من أجل الحب والشوق والحرمان والأسى ولما كان هذا هو الحكم وكان الحال هو هذا فإنه يحق لنا الإقرار بعدم قدرت الشخصية العربية وخاصة المغاربية على مجارات هذه الحيوية الشعورية بفعل ماديتها المستفحلة المدمرة لكل معاني الإرادة المتعالية المقدسة التي لا تعترف بالحواجز والعوائق والمفعمة بالحياة المندفعة بقوة الصدق والوفاء لذلك صار لزام علينا أن نأبن الشوق بات علينا أن نبكي على الحب نبكي له فعالمنا الحالي ووطننا الحالي صار مجرم لا يحسن سوى مهنة يتقنها بتفاني هي قتل المشاعر والأحلام وابتكار العوائق والجواز المادية لكن مع كل هذا هل يستلزم منا هذا أن نفقد الألم في عودة الحب إلى مجده كما عرفه أجدادنا العرب في الجاهلية والإسلام؟
مستحيل....لو قلنا هذا لنفينا صفة الحب عن ذواتنا إن صدق مجنون ليلى واندفاع عنترة ووفاء جميل بن يعمر لا يرضى إلا بأن يشع نور الحب من جديد من غار حيث تسلى قيس وليلى وذاقا من طعم اللذة الغامرة الممتلئة بالنشوة والأمل والجنون والمغامرة سيشع ذلك النور وسيقف الحب من جديد من هناك من الصحراء المجنونة لذلك قررت ،قررت وقررت فعدت عدت إلى روح الصحراء إلى بساطة وقدسية الكثبان وواحات النخيل لكي أستلهم من أجدادي كي أتعلم الحب والشوق عنهم عن أرواحهم المقدسة فوجدتها عبقا من الأِشباح تلومني تعاتبني تساءلن عن مصير الشوق عند العرب:
شبح عنترة: من أي أتيت يا ولدي هل من زمن المذلة زمن الهوان؟ وحق السماء لأن رائحة الخنوع والخيانة والإباحية تنت من جسدك بقدر يكاد يذهب عطر واحتنا الصفي صفاء فؤادنا العربي الممتلئ بالنشوة وهستريا اللذة ولهفة الهوى والشوق أنت يا ولدي من زمن أبيحت فيه المهانة وضاقت فيه الصدور شردت فيه الأذهان وجفت فيه الأقلام فصمت فيه الشعر وأعلن الشعور استسلامه بصدق لا يمكن لنفسك المعبأة بكل تلك النذالة أن تتعلم الحب لذلك عد من حيث أتيت عد لوطن الكفر فالإيمان ليس من شأنك يا ولدي.
شبح مجنون ليلى: الحب يا ولدي طريق ملك نبكي له نبكي عليه عفوا يا ولدي فأنت من زمن لا يبكي للشوق لا يتألم له لا يضحي لأجله حرمت من ليلى أنا ولكني لم أحرم من الحب قد يستطيع أعداء الحياة أن يقطفوا الأزهار ولكن لا يمكنهم أن يمنعوا الربيع من القدوم قد يهدمون الواقع ولكن لا يبلغوا بقساوتهم المتعجرفة جمالية الحلم الباهرة المتعالية عوا يا ولدي قد فقد خلقتم لعبادة المال وليس لمعانقة الشعور يأبى الحب بأن يعانق نفسك المثقلة بكل تلك الخبائث.
شبح جميل بن يعمر: أنت يا ولدي تود الهوى وأنت نفسك تعيش على هوى غير الهوى هوى الشهوة الخسيسة الدنيئة شهوة المال والمكسب الحب يا ولدي عالم الحرية عالم الجنون الخلاق عالم المغامرة المندفعة دون رجف دون خوف دون تأني وشك وأنت لا تسعك نفسك المحجوز شعورها في بوتقة الحاجة مسجون في سجن المال في عبادة الدرهم في شعائر تقديس البدن لا تسعك مثل هذه النفس المثقلة بكل تلك الآثام أن تتذوق الحب.
من رحم الأحزان ولدت وجئت يا أجدادي من وطن الحزن والألم فررت بحبي يا أجدادي أفلا يجار هارب بدين الحب على دينه على حلمه أفا يلام مريضا على ألمه على أنينه ها أنا جئتكم أشكوا إخوتي أقدس حبي وأشواقي هل تتركوني أعاني كآبتي لوحدي هل أبكي على شوقي وحدي هل سأدفن أحلامي لوحدي جئتكم يا أجدادي ماشيا على أشواك الألم والحزن جئتكم كي تمشوا معي في جنازة أحلامي كي تشهدوا على وفائي لروحكم عربي حتى آخر لحظة قبل أن تدفن أحلامي في سجن التراب الأزلي أنا من شرف العروبة نفسي شربت ومن قدسية الصحراء الخالدة استلهمت أوى يرد عندكم عربي؟
الأجداد:إن نفسك ممتلئة بالنشوة في زمن أبيحت فيه المذلة وعبدت فيه أصنام الدرهم ليس لنا أن نرفض توبتك وليس علينا إلا أن نطالبك بالشهادة الإيمانية وهي عندنا الألم ،الألم الألم ثلاث ثم اللذة أحاد، استمتع بألمك يا ابننا ففيه إيمانك بحبك وحياة لأحلامك.
لم أفهم ما نصحني به أجدادي لكني فهمت أن كل ما هو مقدس مؤلم؟ لماذا ؟
لا أعلم ولا أريد أن أعلم أريد أمرا واحدا هو الألم......................؟