قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :
عليك بطريق الحق و لا تستوحش لقلة السالكين و إياك و طريق الباطل و لا تغتر بكثرة الهالكين .... المؤلف الاستانبولي
لقد قرأت هذا الكتاب في ما مضى و أظن و الله أعلم أنه كتاب طيب
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!لا أدري لماذا يجزم مؤلف (( تحفة العروس )) الاستانبولي في كتابه بطامة كبيرة من الطوام حينما يعزو حديثاً للبخاري ، وهو ليس فيه أصلاً ، بل هو حديث فيه نكارة !! يقول المؤلف في موضوع العشرة الزوجية بأن البخاري روى قصة حلمه وصبره على ما يصدر من حق زوجاته فيه – استحسان حلم الرجل على زوجته - ص169 طبعة المعارف وأن عائشة قالت للنبي عليه الصلاة والسلام : تكلم أنت ولا تقل إلا حقاً ! فلطمها أبو بكر رضي الله عنه حتى أدمى فاها وقال :
أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها ؟ فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقعدت خلف ظهره . فقال النبي عليه الصلاة والسلام : إنا لم ندعك لهذا ، ولم نرد منك هذا . ثم رمز له بالحرف ( خ ) يعني البخاري ! وأقول : هكذا فليكن التحقيق ! إن هذا الحديث مكذوب على البخاري ، وكم أضل هذا الكذب أناساً حسبوه صحيحاً ثم أخذوا ينشرونه بين الناس! وبالبحث عنه وجدته بحمد الله في مرجع جمع بين الكذب وما لا أصل له من الروايات وبين الصحيح والضعيف والمنكر ؛ ذلكم هو كتاب ( إحياء علوم الدين ) للغزالي المليء بالأحاديث الموضوعة ، والأفكار الصوفية المنحرفة الضالة ! ومن نعمة الله علي أن قيضني لتحقيق رسالة للسويدي العراقي المتوفى عام 1246 هجرية في الموضوعات في الإحياء سماه : ( الاعتبار في حمل الأسفار ) استخرجها من (الإحياء) بلغت ( 271 ) حديثاً استدركت على المؤلف ( 36 ) حديثاً وسميته ( الإخبار بما فات من أحاديث من أحاديث الاعتبار ) . أما الحديث الذي استدل به الاستانبولي فقد قال الحافظ العراقي المتوفى عام 806 هجرية في تخريجه : ( حديث جرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخل بينهما أبا بكر حكماً الحديث : الطبراني في الأوسط والخطيب في التاريخ من حديث عائشة بسند ضعيف ) . ( الاحياء بتخريج العراقي 2 /
طبعة البابي الحلبي ) . وقد بحثت عنه فوجدته والحمد لله في ( المعجم الأوسط ) للطبراني 5 / 455 برقم 4876 طبعة المعارف ، وفي ( تاريخ بغداد ) للخطيب 11 / 240 ولفظه : ( كان بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلام ، فقال : بمن ترضين أن يكون بيني وبينك ؟ أترضين بأبي عبيدة بن الجراح ؟ قلت : لا ذاك رجل لين يقضي لك علي ، قال : أترضين بعمر بن الخطاب ؟ قلت : لا إني لأفرق من عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والشيطان يفرق منه . فقال : أترضين بأبي بكر ؟ قلت : نعم ! فتكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : اقصد يا رسول الله . قالت : فرفع أبو بكر يده فلطم وجهي لطمة بدر منها أنفي ومنخراي دماً ، وقال : لا أم لك فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما أردنا هذا ، وقام فغسل الدم عن وجهي وثوبي ويدي ) . وقد أخرجه الطبراني مختصراً جداً . ومدار الإسناد على مبارك بن فضالة وهو يدلس ويسوي ولم يصرح بالتحديث عمن فوق شيخه ؛ فالإسناد ضعيف ، وغفل محقق زوائد الخطيب فقال : إسناده حسن ! ( زوائد تاريخ بغداد ) 8 / 72 برقم 1676 . لكنه أعل المتن فيما يتعلق بكلام الصديقة في أبي عبيدة ، وفي قولها : اقصد يا رسول الله ، فأصاب ! . وقد روى الحديث أيضاً ابن عدي في ( الكامل ) 4 / 1384 من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها وفيه أنها قالت : إنك نبي ولا تقول إلا الحق ، فرفع أبو بكر يده فلطم وجهي ، ثم قال : لا أم لك أفأنت وأبوك يقولان الحق !؟ قال ابن عدي : لا أعلم رواه عن الأعمش ، غير صالح بن أبي الأسود ، وقد روي عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم ، عن عائشة رواه مبارك بن فضالة 0000 وروي هذا الحديث عن عمر بن عبد العزيز ، عن عروة ، عن عائشة 0 قلت : رواية مبارك بن فضالة عند الخطيب في ( التاريخ ) كما تقدم ، أما رواية صالح بن أبي الأسود فهي عند الطبراني كما تقدم ، ومن طريقه رواه ابن عدي كما تقدم ، والإسناد لا يساوي فلساً ؛ فإن صالحاً هذا واهٍ 0 وقال ابن عدي : أحاديثه غير مستقيمة ، وليس بالمعروف 0 وأقره الذهبي ، وابن حجر 0 ( الميزان ) 2/ 288 – 289 ، و( اللسان ) 3 / 195 – 196 طبعة الكتب العلمية 0 وهو الذي روى خبر : ( كان خير البشر ) يعني علياً رضي الله عنه ! ثم ذكر الاستانبولي حديث عائشة وأنها قالت عند غضبها عليه صلى الله عليه وآله وسلم : أنت الذي تزعم أنك نبي ؟! قلت : ما هذه الجرأة ؟ فهذا لفظ منكر جداً صدوره من الصديقة وقد كنت سمعته من أحد الذين ينتسبون للعلم ، وقال : إنه صحيح !!!! وقد قال العراقي عن الحديث : ( أبو يعلى في مسنده ، وأبو الشيخ في كتاب الأمثال من حديث عائشة وفيه ابن إسحاق وقد عنعنه 0( تخريج الإحياء ) 2 /
0 وقال الهيثمي : ( رواه أبو يعلى وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وسلمة بن الفضل وقد وثقه جماعة : ابن معين وابن حبان وأبو حاتم وضعفه جماعة ، وبقية رجاله رجال الصحيح 0 وقد رواه أبو الشيخ بن حيان في كتاب الأمثال وليس فيه غير أسامة بن زيد الليثي وهو من رجال الصحيح وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات ) !! ( مجمع الزوائد ) 4 / 322 0 وأقول : الحديث في ( مسند أبي يعلى ) 8 / 129 – 130 برقم 4670 ، وهو عند أبى الشيخ في ( الأمثال ) برقم 56 وفيه قول عائشة : ألست تزعم أنك رسول الله ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : أفي شك أنت يا أم عبد الله ؟ قالت : ألست تزعم أنك نبي ؟ فهلا عدلت ؟ قالت : فسمعني أبو بكر وكان فيه ضرب من حدة فأقبل علي يلطم وجهي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مهلاً يا أبا بكر ، قال : يا رسول الله أما سمعت ما قالت ؟ قال : إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه ، إنما التجني في القلب 0 وفيه : تدليس ابن إسحاق ، وسلمة بن الفضل : صدوق كثير الخطأ 0 ( التقريب ) 2518 0 وأما قول الهيثمي بأن أبا الشيخ رواه وليس فيه غير أسامة فهو وهم ؛ فإن أسامة لا وجود له عند أبي الشيخ أصلاً في هذا الحديث ، وإنما هو من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق معنعناً أيضاً !!! ثم وقفت على الحديث في ( مصنف عبد الرزاق ) 11 / 431 برقم ( 20924 ) قال : قال معمر : وأخبرني رجل من عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا أبا بكر، فاستعذره من عائشة ، فبينا هما عنده قالت : إنك لتقول إنك لنبي ! فقام إليها أبو بكر فضرب خدها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : مه يا أبا بكر ! ما لهذا دعوناك 0 وهذا إسناد معضل مع جهالة الرجل من عبد القيس ! وقد أتعبني كثيراً البحث عن قول ابن عدي في ( الكامل ) 4 / 1385 : ( وروي هذا الحديث أيضاً عن عمر بن عبد العزيز ، عن عروة ، عن عائشة ) 0 فقد قمت ولله الحمد بما يشبه ما قام به السلف من الرحلة في طلب الحديث - بعد أن بحثت في ( مسند عمر بن عبد العزيز ) للباغندي بتحقيق العوامة الكوثري ! فلم أقف عليه ، وبحثت في التكملة التي عملها هذا الكوثري الصغير فلم أجد للحديث ذكراً 0 ثم بحثت في ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر فلم أقف عليه أيضاً 0 وأخيراً اتصلت بصاحبنا جامع مسانيد الصحابة الذي حققت منه ( مسند علي ) - مطبوع - و( مسند عثمان ) - ولما يطبع - ليبحث عن السند من ( مسند عائشة ) ( يقدر صاحبنا الكتاب بعد طباعته في 400 مجلدة من القطع الكبير ) فوقف عليه بارك الله فيه عند ابن عدي في ( الكامل ) 6 / 2210 من طريق محمد بن الزبير الحنظلي قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : ثنا عروة بن الزبير ، قال : حدثتني عائشة أم المؤمنين أنه ( كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلام فقال لها : بمن ترضين بيني وبينك فذكر الحديث ) 0 قلت : وهذا إسناد ساقط : محمد بن الزبير الحنظلي متروك كما في ( التقريب ) 5922 0 والخلاصة هي : ضعف الحديث بلا ريب مع نكارة بعض ألفاظه 0 ولا أدل على النكارة من أن الذين رووا هذا الحديث كأبي داود في ( السنن ) 4995 وليس فيه تلك الألفاظ المنكرة مع كونه إسناداً ضعيفاً ؛ ففيه عنعنة ابن إسحاق 0 ورواه عبد الرزاق برقم 20924 مرسلاً ولا يوجد فيه الزيادة المنكرة 0 لكن رواه ابن حبان في ( صحيحه ) 9 / 491 برقم 4185 مرفوعاً ، ولعل الذي رفعه هو ابن أبي السري ، فهو صدوق عارف له أوهام كثيرة كما في ( التقريب ) 6303 ! فمثله لا يحتج بزيادة الرفع منه ، ويبقى الحديث مرسلاً ، ولا يشهد له ما رواه أبو داود آنفاً لاختلاف ألفاظه 0 هذا ما يسره الله تعالى لي من التحقيق حول هذا الحديث ، فشد عليه ؛ فإني لم أر أحداً فصل فيه قبلي ، فالحمد لله عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته 0